سلّط القرار الأخير الصادر عن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بخصوص السياسة النقدية الضوء وبشكل واضح على أنّ الاحتياطي الفيدرالي مُستعد للقيام بكلّ ما يلزم لحماية الاقتصاد الأمريكي.
وكان الاحتياطي الفيدرالي قد صوّت بالإجماع، كما تنبأت أغلب التوقعات، على إبقاء معدلات أسعار الفائدة على حالها دونما أيّ تغيير لتكون ضمن نطاق 0-0.25%، فضلاً عن إبقاء معدلات الفائدة على الاحتياطات الفائضة عند 0.1%. وسيتواصل العمل بمعدلات الفائدة المقاربة للصفر لفترة طويلة، لا سيما وأنّ اللجنة تتوقع المحافظة على هذا النطاق المستهدف حتى "تتأكد من تجاوز الاقتصاد للأزمة الصحية وعودته للمسار الصحيح الذي يُتيح له القدرة على تحقيق أهدافه فيما يتعلق بأعلى معدلات التوظيف واستقرار الأسعار".
وبحسب التصريح الصادر عن الاحتياطي الفيدرالي، يُواجه الاقتصاد في الفترة الحالية ضربات مُختلفة من عدة جبهات بسبب انتشار فيروس كورونا؛ إذ ستترك عوامل مثل الانخفاضات الحادة في النشاط الاقتصادي، والارتفاع الكبير في معدلات البطالة، وهبوط مستويات الطلب، وانخفاض التضخم، والصدمات الخارجية أثراً كبيراً على النشاط الاقتصادي وستفرض مخاطر ملموسة على التوقعات الاقتصادية على المدى المتوسط.
وفي حين لم يُحدد الاحتياطي الفيدرالي أيّ قيود على تدابير التيسير الكمي المرتقبة، غير أنّه أوضح عزمه المضي قُدماً في شراء سندات الخزينة والسندات المدعومة بالرهن العقاري لدعم "آلية العمل السلسة للأسواق". ولم يعد أمام الشركات أيّ داع للقلق حيال التمويل قصير الأمد، لا سيما بعد إعراب الاحتياطي الفيدرالي عن التزامه بتقديم عروض إعادة شراء واسعة النطاق تستحق على مدى يوم واحد أو على فترة يتم الاتفاق عليها.
لن يقتصر وجود المخاطر التي يفرضها الفيروس على الاقتصاد على المدى القصير فحسب، بل سيمتد على فترة زمنية أطول على الأرجح، مما يُشير إلى أنّ معدلات الفائدة ستبقى مقاربة للصفر لعدة أعوام مقبلة. ومن جهة ثانية، يُمكننا أن نستخلص من بيان الاحتياطي الفيدرالي والمؤتمر الصحفي الذي عقده باول بأنّ الانتعاشة ستعقب فترة من الركود، وبأنّ احتمالات حدوث الانتعاشة السريعة ضئيلة للغاية. ويتمثل جوهر المسألة هُنا في أنّ أداء أسواق الأسهم على مدى الأسابيع الستة الماضية مرّ بحالة من الانتعاش السريع، ويُعزى ذلك لكافة تدابير التيسير المالي والنقدي التي شهدناها لغاية الآن والالتزام الواضح بإقرار المزيد منها عند الحاجة.
غير أنّ الارتفاع الحاد في أسعار الأسهم الأمريكي اليوم، والذي صعد بمؤشر ستاندرد أند بورز500 بواقع 2.7% بحلول إغلاق يوم التداول وبمعدل 34% منذ وصوله إلى أدنى مستوياته في 23 مارس، يُعزى إلى النتائج الإيجابية التي أظهرتها دراسات شركة غيلياد على عقار ريمديسيفير كعلاج للفيروس. وليس هذا سوى دليل واضح على أنّ شركات الصناعات الدوائية باتت مؤشراً بارزاً لأحوال السوق؛ إذ من شأن أيّ أخبار إيجابية حول إيجاد دواء أو لقاح لعلاج مرض كوفيد-19 أن تُحفز سلوكيات الإقبال على أصول المخاطر. وبدوره، يُعتبر الرفع التدريجي لحالات الإغلاق التي شهدتها العديد من الولايات الأمريكية والدول الأوروبية أحد العوامل التي تشجع توجه المستثمرين نحو الأصول ذات المخاطر الأعلى.
وعلى الرغم من أن هذه الأسباب التي تدفع المستثمرين نحو المخاطرة بشكل أكبر هي أسباب مشروعة، غير أنّه يتعين عليهم أخذ العديد من العوامل الأخرى في الاعتبار أيضاً. فلم تعد عمليات التقييم رخيصة التكلفة بعد الآن، وسيحتاج النشاط الاقتصادي فترة زمنية أطول للتعافي، وباتت العديد من الوظائف مهددة، وتغيرت سلوكيات المستهلكين، وقد تم بالفعل تسريح الملايين من الموظفين، وما زلنا غير متأكدين بعد من إمكانية حدوث موجة ثانية من تفشي فيروس كورونا. ويُعتبر هذا، في حقيقة الأمر، السبب الرئيسي الذي يُبقي الذهب عند أعلى مستوياته منذ سبعة أعوام برغم التفاؤل الذي تعكسه الأسهم. ومن ناحيتي، أوصي في هذه المرحلة باتباع نهج حذر عند التوجه نحو أصول المخاطر.
نحن على موعد اليوم مع اجتماع البنك المركزي الأوروبي، وهو البنك المركزي الذي يمر بفترات أكثر صعوبة من تلك التي يُواجهها الاحتياطي الفيدرالي، لا سيما وأنّ الدفعة المالية لدول منطقة اليورو تُعتبر خافتة نسبياً لدى مقارنتها بالولايات المتحدة. وفي حين تُرجح التوقعات عدم اتخاذ البنك لأي إجراءات جديدة، يود المستثمرون سماع إعلان البنك التزامه بالقيام بكل ما يلزم والإعراب عن جاهزيته للتدخل، لا سيما وأنّه قام بالفعل بطرح برنامج شراء حالات الطوارئ الوبائية منذ خمسة أسابيع مضت. وعلاوة على ذلك، تتوقع الأسواق قيام كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، بتذكير قادة دول منطقة اليورو بضرورة اتخاذ المزيد من التدابير الجماعية فيما يتعلق بالسياسات المالية.
تنويه: يحتوي هذا المقال على آراء خاصة بالكاتب، ولا ينبغي استخدامها كمشورة أو نصيحة للإستثمار، ولا يعتبر دافعاً للقيام بأي معاملات بأدوات مالية، وليس ضماناً أو توقعاً للحصول على أي نتائج في المستقبل. لا تضمن ForexTime (FXTM)، أو شركاءها المتعاونين، أو وكلاءها، أو مديريها، أو موظفيها أي صحة، أو دقة، أو حسن توقع أي معلومات أو بيانات واردة في هذا المقال، ولا يتحملون مسؤولية الخسائر الناتجة عن أي استثمار تم على أساسها.