سجّل ستاندرد آند بورز500، المؤشر الأكثر متابعة في الولايات المتحدة، انخفاضاً بواقع 34% عن ذروة أدائه منذ ستة أشهر مضت. بينما لم يكتفي اليوم بتعويض خسائره فحسب، بل تمكّن من تحقيق مستويات قياسية جديدة، لا سيما بعد ارتفاعه بواقع 55% من أدنى المستويات التي وصلها سابقاً. وكانت آمال المستثمرين الذين راهنوا على الانخفاض في قيمة السوق قد تحطمت بالكامل، تاركة توقعات المستثمرين بانخفاض قيمة الأسهم على المدى القصير في أدنى مستوياتها على مدى أكثر من عقد مضى. ومن جهة أخرى، أظهر هذا التعافي قدراً استثنائياً من السرعة؛ فعلى سبيل المقارنة، احتاجت الأسواق خلال الأزمة المالية الكبرى عام 2008 إلى حوالي أربعة أعوام لتعويض كافة خسائرها من أدنى مستوياتها، بينما كانت بحاجة إلى خمسة أعوام للتعافي من تبعات عمليات التصفية الناجمة عن فقاعة الإنترنت.
ومع ذلك، لا يعكس المستوى القياسي الذي سجّله مؤشر ستاندرد آند بورز500 القصة الكاملة للانتعاشة التي يشهدها السوق. فبينما ارتفعت قيمة أسهم شركات التكنولوجيا والشركات المنتجة للسلع الاستهلاكية الكمالية بواقع 28.6% و23.1%، على الترتيب، منذ بداية العام لغاية الآن، تراجعت قيمة أسهم شركات الطاقة والخدمات المالية بمعدل 41% و21.2%، على الترتيب. وقد تكون هذه أكثر الانتعاشات الاقتصادية تبايناً على الإطلاق. تُمثل أسهم شركات فيسبوك وأبل وأمازون ومايكروسوفت وجوجل في الوقت الحالي 24% من رأس مال مؤشر ستاندرد آند بورز في السوق والذي يبلغ 29.77 تريليون دولار أمريكي؛ وقد تُسهم زيادة بواقع 5% في قيمة أسهم شركة أبل لوحدها في تحقيق نمو بواقع 0.35% في قيمة المؤشر. وخلاصة القول، لم يعد مؤشر ستاندرد آند بورز500 مُمثلاً لأضخم 500 شركة أمريكية بعد الآن، لا سيما وأنّ دوره انحصر في تمثيل مجموعة صغيرة من شركات التكنولوجيا. ويعني هذا بأنّ الأداء على المؤشر بات عرضة للمخاطر التي قد تنجم عن أي تصحيحات تشهدها هذه الشركات الضخمة.
ومن وجهة نظرة تقييمية، أعتقد أنّنا أمام مبالغة في تقدير قيمة عمالقة التكنولوجيا بالمقارنة مع المؤشر؛ إذ يتم تداول أسهم شركات أبل ومايكروسوف وألفابِت بقيمة نسبة السعر الآجل إلى الأرباح فوق حاجز الثلاثين نقطة، بينما يجري تداول أسهم فيسبوك عند معدل أدنى من ثلاثين نقطة بقليل، وتُغرد أمازون لوحدها خارج السرب بتداول مضاعف السعر إلى الأرباح الآجل فوق 83 نقطة. ولكن في حال استثنينا هذه الشركات الخمس العملاقة، نجد أنه يجري تداول مؤشر ستاندرد آند بورز500 عند نسبة السعر الآجل إلى الأرباح بقيمة 20 نقطة فقط. وفي حين تظهر قيمة المؤشر متدنية بالمُجمل لدى مقارنتها مع شركات التكنولوجيا هذه، فإنّه لم يتم تداوله فوق هذا المعدل منذ عام 2002.
وقد تُسهم السياسات النقدية والمالية في تبرير المبالغة الحاصلة في التقييمات لفترة زمنية محدودة. ولكن وفي ظل بقاء أسعار الفائدة حول قيمة الصفر والتوقعات التي تُشير إلى بقاء الأسعار على المدى البعيد عند مستوياتها المتدنية الحالية، لم يعد أمام المستثمرين الكثير من الخيارات للانتقاء منها، وهذا ما دفع شركات التكنولوجيا إلى دائرة الضوء خلال الفترة الراهنة. ومع ذلك، وفي حال لم تُحاول بقية القطاعات اللحاق بالركب، سنكون أمام بوادر تدعو إلى القلق. وفي حال كانت أسعار الفائدة تعكس ما يحدث بالكامل، لتفوقت قيمة الأسهم اليابانية في أدائها على كافة نظرائها الرئيسيين، ولكن ليست هذه هي الحال.
لم يقترب النشاط الاقتصادي لغاية الآن على الإطلاق من المستويات التي وصلها قبل تفشي الجائحة، وليس لدينا أي فكرة لغاية الآن عن موعد اكتشاف اللقاح المضاد لكوفيد-19، وعن موعد توفره أمام العامة في حال اكتشافه. ومن ناحية أخرى، تُعتبر الانتخابات الأمريكية المرتقبة إحدى عوامل الخطر المحدقة بالأسواق أيضاً، لا سيما وأنّ 70 يوماً فقط تفصلنا عن اليوم الموعود في 3 نوفمبر المقبل. ويتعين على أي مستثمر يرغب بأن يكون جزءاً من هذا الارتفاع الأكثر تبايناً على الإطلاق في قيمة الأسواق أن يأخذ كافة هذه المخاطر بالحسبان.
تنويه: يحتوي هذا المقال على آراء خاصة بالكاتب، ولا ينبغي استخدامها كمشورة أو نصيحة للإستثمار، ولا يعتبر دافعاً للقيام بأي معاملات بأدوات مالية، وليس ضماناً أو توقعاً للحصول على أي نتائج في المستقبل. لا تضمن ForexTime (FXTM)، أو شركاءها المتعاونين، أو وكلاءها، أو مديريها، أو موظفيها أي صحة، أو دقة، أو حسن توقع أي معلومات أو بيانات واردة في هذا المقال، ولا يتحملون مسؤولية الخسائر الناتجة عن أي استثمار تم على أساسها.