تبدو التوقعات الاقتصادية سيئة للغاية على المدى القصير، ومن المرجح أن تزداد سوءاً بالتزامن مع نشر المزيد من البيانات؛ إذ يُشير تقرير مؤسسة إي دي بيه حول سوق العمل في الولايات المتحدة إلى فقدان القطاع الخاص خلال الشهر الماضي لرقم قياسي وصل إلى 20.24 مليون وظيفة نظراً لإغلاق الأنشطة التجارية. ونظراً لتقديم أكثر من 30 مليون شخص لطلبات الحصول على إعانات البطالة على مدى الأسابيع الستة الماضية، تُشكل هذه الأرقام، رغم كونها متوقعة، صدمة كبيرة للاقتصاد الأضخم على مستوى العالم.

وفي ضوء مساعيهم لاستخلاص الاستنتاجات والتوصيات، يميل المحللون والخبراء الاستراتيجيون لدى محاولة التنبؤ بمستقبل أسعار الأصول خلال مثل هذه الصدمات إلى مقارنتها بالأنماط أو الدورات الاقتصادية السابقة. ولسوء الحظ، لم نشهد في حياتنا جائحة مماثلة أو انكماشاً اقتصادياً بهذا الحجم والسرعة. كما تُعتبر غالبية الأدوات التي يستخدمها واضعو السياسات النقدية والمالية حديثة العهد أيضاً. وبناءً عليه، ستكون عملية توقع السيناريوهات المقبلة أشبه بلعبة تخمين بدلاً من اعتمادها على النماذج الحالية والأساليب الإحصائية.

 ولا تبدو الانتعاشة السريعة المتفائلة أمراً واقعياً في هذه المرحلة نظراً للعديد من الأسباب؛ إذ تنطوي انتعاشة من هذا النوع على ضرورة عودة أمريكا والعالم أجمع إلى العمل في وقت قريب، غير أنّ هذا لا يبدو منطقياً على الإطلاق بالنظر إلى اتجاهات انتشار عدوى كوفيد-19. وعلى الرغم من التخفيف من حالات الإغلاق المفروضة في العديد من الولايات الأمريكية والعالم ككل، لن تكون العديد من القطاعات قادرة على التعافي لعدة أعوام مقبلة، لا سيما شركات الطيران والترفيه والسيارات وربما النفط.

 ما تزال العديد من الأسئلة المتعلقة بالفيروس عالقة دون أيّ إجابة لغاية الآن، لا سيما الأسئلة حول موعد وإمكانية اكتشاف لقاح أو علاج للمرض. فهل سيكون للطقس الحار دور في الحد من حالات العدوى؟ وهل سيتحول الفيروس إلى شكل جديد يتطلب إجراء تجارب طبية جديدة؟ وهل سيؤدي تخفيف إجراءات الإغلاق إلى موجة جديدة وأقوى من حالات العدوى؟  ولن نكون قادرين على توقع شكل ومدى سرعة الانتعاشة حتى نحصل على إجابات لهذه الأسئلة ولغيرها أيضاً. 

وبالتأكيد، سنُحرز نجاحاً أكبر فيما يتعلق بجهود احتواء هذا الفيروس الفتاك كُلّما ازدادت فترة بقائنا في منازلنا. غير أنّ هذا سيُكلفنا المزيد من الأضرار الاقتصادية، ما يضع القادة حول العالم أمام ضرورة التعامل مع معضلة الاختيار بين الجانبين الصحي والاقتصادي. وحتى في حال فرضنا عودة الحياة إلى حالتها شبه الطبيعية، فهل سنكون قادرين على التصرف بنفس الطريقة التي اعتدناها قبل جائحة كوفيد-19؟ هل سنتحلى بالشجاعة اللازمة لزيارة الأماكن المزدحمة؟ وهل سيقوم جميع الأهالي بإرسال أطفالهم إلى المدرسة؟ وهل سنسافر إلى الأماكن التي ما زالت تشهد تزايداً في حالات العدوى؟ وهل سننفق بنفس الطريقة التي اعتدنا عليها؟ أعتقد شخصياً بأنّنا نحتاج لأشهر عدة، إن لم نقل أعواماً، للعودة إلى حياتنا الطبيعية، أي أنّ الانتعاشة ستكون بطيئة للغاية، حتى عند إعادة فتح الاقتصادات مُجدداً.

 لا تُمثل أسواق الأسهم في الوقت الحالي انعكاساً واقعياً لضعف الاقتصاد؛ إذ يميل المستثمرون إلى اتباع إرشادات كُلّ من الاحتياطي الفيدرالي والكونغرس، اللذين يقومان بتطبيق تدابير غير مسبوقة لضمان عدم تأثير المعاناة الاقتصادية على الأسواق المالية. ولكني أعتقد بأنّنا سنكون أمام العديد من العواقب طويلة الأمد التي سنتحدث عنها لعدة أعوام قادمة.

 سجّلت مستويات نسب الأرباح الآجلة إلى السعر في مؤشر ستاندرد آند بورز500 أعلى معدلاتها على مدار 19 عاماً عند 25 نقطة، بينما ما تزال مستويات نسب الأرباح المعدلة بشكل دوري إلى السعر فوق أعلى المعدلات التي شهدتها في عام 2008، برغم هبوطها اليوم إلى 26.7 نقطة من 31 نقطة التي سجّلتها في يناير لهذا العام. ويُشير هذا إلى أنّ تقييمات أسعار الأسهم ما تزال متفائلة برغم ميل العديد من الشركات إلى تقديم التوجيهات السلبية، في حال قدّمتها أصلاً. وأرى بأنّ المستثمرين يُراهنون عند المستويات الحالية على حدوث أفضل سيناريو مُحتمل للانتعاشة الاقتصادية مستندين بذلك إلى إمكانية إقرار المزيد من تدابير التيسير. ولكن، وكما ذكرت سابقاً، يلعب التخمين دوراً أكبر بكثير في محاولة التنبؤ بسلوكيات أسعار الأصول خلال فترة الجائحة من أي تحليلات علمية حقيقية. فلنأمل بأّنّ الأسواق على حق بتوقعها لحدوث السيناريو الأفضل.

تنويه: يحتوي هذا المقال على آراء خاصة بالكاتب، ولا ينبغي استخدامها كمشورة أو نصيحة للإستثمار، ولا يعتبر دافعاً للقيام بأي معاملات بأدوات مالية، وليس ضماناً أو توقعاً للحصول على أي نتائج في المستقبل. لا تضمن ForexTime (FXTM)، أو شركاءها المتعاونين، أو وكلاءها، أو مديريها، أو موظفيها أي صحة، أو دقة، أو حسن توقع أي معلومات أو بيانات واردة في هذا المقال، ولا يتحملون مسؤولية الخسائر الناتجة عن أي استثمار تم على أساسها.