ارتفعت قيمة عقود النفط الآجلة على جانبي المحيط الأطلسي في ضوء توقعات باتفاق أضخم منتجي النفط في العالم أخيراً حول إقرار خفض الإنتاج. ويأتي ذلك بعد حوالي أكثر من شهر من انتهاء العمل بموجب اتفاقية أوبك+، ما أدى إلى زيادة المملكة العربية السعودية لمعدلات إنتاجها من النفط الخام في مسعى منها للفوز بحصة في السوق، برغم ما يواجهه القطاع من انهيار مستويات الطلب جراء انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد.
وكان خام برنت تمكّن من استعادة نصف خسائره من أدنى مستوياته في شهر مارس، بينما استطاع خام غرب تكساس تحقيق مكاسب بواقع 34%. ومع ذلك، فقد خسر المؤشران أكثر من نصف قيمتهما منذ انطلاق العام الجاري.
ورأى العديد من المراقبين بأنّه بات من الصعوبة بمكان إقناع كُلّ من روسيا والمملكة العربية السعودية بالجلوس على طاولة المفاوضات في أي وقت قريب، غير أنّ انهيار أسعار النفط وتدخل الولايات المتحدة جعلا هذا الأمر ممكناً.
وأمّا فيما يتعلق بمستويات الطلب، سجّلت الولايات المتحدة انخفاضاً بواقع 14.4 مليون برميل يومياً، بحسب إدارة معلومات الطاقة. بينما كشفت مؤسسة فاكتس جلوبال إنرجي بأنّ الهند، ثالث أكبر مستهلكي النفط في العالم، شهدت هبوطاً بواقع 18% في معدلات الطلب. غير أنّ معامل التكرير أسهمت بدورها في رسم صورة قاتمة بعد أن كشفت عن تراجع معدلات الطلب لديها بأكثر من الثلثين منذ بداية أبريل الجاري. وبرغم التوقعات التي تُشير إلى قُرب انتعاش الاقتصاد الصيني على كافة النواحي، فلن يكون هذا كافياً للتعويض عن مستويات الطلب المفقودة في مختلف أنحاء العالم.
ومن المثير للاهتمام، أنّه يتم تداول عقود النفط الآجلة وفق معدلات سعرية عالية بينما تتم عمليات الشراء الفعلية بأسعار أدنى بكثير، بل ويتم بيع بعض الصنوف في أمريكا الشمالية بأسعار لا تتجاوز 10 دولار أمريكي للبرميل الواحد. ويعكس هذا مدى الضائقة والإشباع الذي تُعاني منه أسواق الطاقة في هذه المرحلة، لا سيما في ظل تساؤل الكثيرين حول قدرة الاتفاق السعودي-الروسي على إعادة الاستقرار إلى السوق.
وبالنظر إلى ضخامة الأزمة الاقتصادية الراهنة، فنحن أمام فرصة كبيرة للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين. وتتوقع الأسواق إقرار خفض بواقع 10-15 مليون برميل يومياً في إنتاج النفط. ومن شأن هذا أن يرفع الأسعار قليلاً على المدى القصير، غير أنّه سيبقى من المستبعد تطبيق القواعد الأساسية في مثل هذه الحالة، وفي حال لم تستعد مستويات الطلب زخمها بحلول نهاية أبريل، فسنكون أمام اضطراب جديد في معادلة العرض والطلب. وبحسب آخر التوقعات، فقد انخفضت معدلات الطلب العالمي بما يقارب 25 مليون برميل يومياً، بينما ما يزال الخفض المرتقب بعيداً كُل البعد عن تحقيق الموازنة في هذه المعادلة.
ومن جانب آخر، يتوجب على الولايات المتحدة الاشتراك في الاتفاق في حال أردنا الحصول على اتفاقية مجدية للجميع، ولكن وبالنظر إلى استئثار الشركات الخاصة على مشهد الإنتاج في الولايات المتحدة، تبدو هذه المسألة غاية في الصعوبة. وقد يُمثل الاجتماع الطارئ لوزراء طاقة مجموعة العشرين المقرر يوم الجمعة مصدراً آخراً للاستقرار. وفي حال انضمام المزيد من المنتجين إلى الاتفاق وإسهام أكبر مستهلكي النفط في تحقيق توازن الطلب من خلال تعزيز احتياطاتهم الاستراتيجية من النفط، فقد نكون أمام عامل استقرار أطول أجلاً فيما يتعلق بالأسعار.
ويتمثل السيناريو الأسوأ في فشل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها السابقين في الالتزام بخفض الإنتاج، ما سيترك تداعيات كارثية على الاقتصادات المعتمدة على إنتاج النفط وعلى قطاع الطاقة بشكل عام. وسيؤدي هذا بدوره إلى تسجيل المؤشرين لمستويات من خانتين فقط.
تنويه: يحتوي هذا المقال على آراء خاصة بالكاتب، ولا ينبغي استخدامها كمشورة أو نصيحة للإستثمار، ولا يعتبر دافعاً للقيام بأي معاملات بأدوات مالية، وليس ضماناً أو توقعاً للحصول على أي نتائج في المستقبل. لا تضمن ForexTime (FXTM)، أو شركاءها المتعاونين، أو وكلاءها، أو مديريها، أو موظفيها أي صحة، أو دقة، أو حسن توقع أي معلومات أو بيانات واردة في هذا المقال، ولا يتحملون مسؤولية الخسائر الناتجة عن أي استثمار تم على أساسها.