اعتدنا على مدى الأشهر القليلة الماضية على ارتباط زيادة الإقبال على المخاطرة بضَعف الدولار الأمريكي. وكان مؤشر الدولار، والذي يقيس قيمة العملة الأمريكية مقابل سلة العملات العالمية الرئيسية الست، قد تراجع بنسبة 6.7% خلال عام 2020 مُسجلاً ثاني أسوأ أداء سنوي له منذ الأزمة المالية العالمية. بينما أسهمت السياسات النقدية والمالية العالمية التوسعية، التي اعتمدتها الولايات المتحدة في المقام الأول، والمستويات القياسية التي سجّلتها أسواق الأسهم في زعزعة ثقة المستثمرين بالأمان الذي توفره العملة الاحتياطية العالمية دافعة إياهم نحو اعتماد عملات الأسواق المتقدمة وتلك الناشئة الأكثر تقلباً.
ولا تزال العوامل التي تسببت في تراجع قيمة الدولار الأمريكي منذ أواخر مارس 2020 قائمة حتى اللحظة، لا سيما وأنّ التوقعات تُرجح استمرار السياسات النقدية والمالية الميسّرة على حالها على مدار العام الجاري. وسنشهد على الأرجح إقرار الولايات المتحدة لحزمة إعانات ضخمة ثانية لمواجهة تداعيات كوفيد-19، بينما ستبقى أسعار الفائدة على ما هي عليه على المدى المتوسط. ومع ذلك، ارتفع الدولار الأمريكي بمعدل 1.5% منذ بداية العام برغم عمليات البيع على المكشوف على نطاق واسع.
وكان هذا الانتعاش قد فاجأ العديد من المتداولين ودفع بعضهم للتساؤل فيما إذا كانت القواعد المعتمدة قد تغيّرت بالفعل. ولا زلنا بانتظار معرفة ما إذا كانت قوة الدولار ستدوم على المدى القصير أم البعيد، علماً أن الأساسيات الاقتصادية تبدو في صالحه حالياً.
وتبقى الولايات المتحدة الأمريكية أحسن حالاً من أوروبا من منظور النمو الاقتصادي؛ إذ من المرحج أن يُسفر تمديد تدابير الإغلاق في عدد من الدول الأوروبية إلى تراجع معدلات النمو في الربع الأول لعام 2021، بينما تمضي واشنطن قُدماً بخطى متسارعة لتحفيز الاقتصاد في أعقاب النمو بواقع 4% الذي شهده الربع الأخير من العام الماضي. وستبقى الأمور على حالها لا سيما في ظلّ بطء المساعي الأوروبية لتوزيع اللقاحات بالمقارنة مع الولايات المتحدة.
ومن جانب آخر، عادت إيرادات سندات الخزينة الأمريكية التي تستحق بعد عشرة أعوام لتُقارب أعلى مستوياتها لشهر مارس 2020 بعد أن ارتفعت بأكثر من 13% منذ أواخر يناير الماضي. واتسع الفارق بين إيرادات السندات الأمريكية والألمانية التي تستحق بعد عشرة أعوام بشكل متواصل منذ بداية شهر أغسطس الماضي ليصل إلى 159 نقطة أساس حالياً. ومن شأن أي اتساع جديد في هذا الفارق أن يُعزز من القوة النسبية للدولار الأمريكي.
وكشف تقرير الوظائف الأمريكية الصادر عن مؤسسة أوتوماتيك داتا بروسيسنج عن زيادة كشوفات رواتب الوظائف الخاصة بواقع 174 ألف كشف خلال شهر يناير، بعد تراجعها إلى 78 ألف كشف خلال شهر ديسمبر متجاوزاً التوقعات عند 50 ألف فقط. ومن ناحيته، يُظهر القطاع الخدمي بعض بوادر التعافي مع ارتفاع المؤشر غير الصناعي لمعهد إدارة الموارد الأمريكي إلى أعلى معدلاته على مدى عامين عند 58.7 نقطة. وكان مُكون الوظائف الخاصة بمؤشر معهد إدارة الموارد الأمريكي قد وصل إلى أعلى مستوياته على مدى 11 شهراً عند 55.2 نقطة، ما يُشير إلى الدور المحوري الذي يلعبه توزيع اللقاح في تعزيز الثقة في أوساط أصحاب العمل.
ونتوقع، بالاستناد إلى هذه البيانات، أن نشهد مفاجأة إيجابية عند صدور تقرير كشوفات الوظائف غير الزراعية يوم الجمعة المقبل، إذ سيكون هذا الإصدار اختباراً دقيقاً للدولار الأمريكي لنتأكد من حقيقة تأثره الإيجابي بالبيانات القوية وتأثيره عليها في الوقت ذاته.
وتبقى الجداول البيانية اليومية لمؤشر الدولار الأمريكي إحدى أهم الجوانب التي يتعيّن علينا رصدها باستمرار. فقد أكمل مؤشر الدولار نموذج الرأس والكتفين المقلوب بالكامل على جداوله البيانية وتجاوز مقاومة خط العنق عند 91 نقطة. وسيؤدي بقاؤه فوق هذا المعدل ليومين إضافيين إلى إمكانية تحقيق مكاسب إضافية باتجاه 92.8 نقطة.
تنويه: يحتوي هذا المقال على آراء خاصة بالكاتب، ولا ينبغي استخدامها كمشورة أو نصيحة للإستثمار، ولا يعتبر دافعاً للقيام بأي معاملات بأدوات مالية، وليس ضماناً أو توقعاً للحصول على أي نتائج في المستقبل. لا تضمن ForexTime (FXTM)، أو شركاءها المتعاونين، أو وكلاءها، أو مديريها، أو موظفيها أي صحة، أو دقة، أو حسن توقع أي معلومات أو بيانات واردة في هذا المقال، ولا يتحملون مسؤولية الخسائر الناتجة عن أي استثمار تم على أساسها.