لم تكن توقعات أولئك الذين اعتقدوا بأنّ الأرقام الاقتصادية القوية التي سجّلها الاقتصاد الأمريكي على مدى الأسابيع القليلة الماضية ستُحدث أدنى تغيير في موقف الاحتياطي الفدرالي موفقة على الإطلاق؛ فبرغم الزخم الكبير الذي يشهده الاقتصاد في ضوء المكاسب الكبيرة الملموسة في مجالات التوظيف والإنفاق الاستهلاكي والتصنيع والخدمات وقطاع الإسكان، يبقى الاحتياطي الفدرالي مُتمسكاً بثبات بموقفه حول محاولة تحقيق هدف لجنة السوق المفتوحة الفدرالية في استعادة جميع الوظائف المفقودة خلال الأزمة وإيصال معدل التضخم إلى 2% على المدى الطويل.
ومن جانبها، لا تضع اللجنة في حسبانها حتى إمكانية التهدئة من وتيرة عمليات شراء الأصول بقيمة 120 مليار دولار أمريكي شهرياً، وتلمح إلى عدم إمكانية حدوث أيّ تخفيف في هذه الإجراءات قبل حلول نهاية العام على أقل تقدير. وبرغم إقرار باول بما تؤدي إليه سياسات الاحتياطي الفدرالي من حالة الابتعاد عن الأساسيات الاقتصادية في الأسواق الرأسمالية، فلا يبدو بأنّه يرى في ذلك أيّ مخاطر منهجية على حالة الاستقرار المالي.
ويتمثل المغزى الرئيسي من اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفدرالية يوم أمس في أنّ السياسة النقدية الأمريكية ستبقى متساهلة للغاية بصرف النظر عن مدى الزخم الذي تعيشه بعض القطاعات الاقتصادية.
وفي حين لم يُخيب الاحتياطي الفدرالي آمال المستثمرين، لم تشهد الأسهم سوى تحركات طفيفة بعد خطاب باول، لا سيما وأنّ الأسواق توقعت أن تكون الإجراءات المتخذة في حدّها الأدنى. ويشهد مؤشر ستاندرد آند بورز500 في الوقت الراهن تداولات بمستوى يتراوح عند حوالي ثلاثين ضعف نسبة الأسعار إلى الأرباح، ما يجعله بحاجة لأكثر من مجرد سياسة نقدية ميسرة للحفاظ على زمام المبادرة في متناول المضاربين على ارتفاع الأسعار.
ومن جهة أخرى، كان موسم الإيرادات مُبهراً جداً لغاية اللحظة؛ ومن أصل 218 شركة، من تلك المُدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز500 والتي أعلنت نتائجها، نجحت 85% فقط في تجاوز توقعات الأرباح، بينما تمكّنت 78% منها فقط في التفوق على تقديرات الإيرادات. غير أنّ المفاجأة تمثلت في تسجيل الشركات التي نجحت في تجاوز توقعات الأرباح لمعدلات هبوط وصلت إلى -0.2% وسطياً في يوم الإعلان عن أرباحها. وفشلت أسهم العديد من الشركات، مثل تسلا ومايكروسوفت وإي إم دي، في الحصول على الزخم في أعقاب هذه المفاجآت الإيجابية. وفي الواقع، تحتاج الشركات إلى تحقيق مفاجآت إيجابية قوية لتحظى باهتمام المستثمرين. وهذا ما نجحت كُلٌّ من ألفابِت وأبل وفيسبوك في تحقيقه هذا الأسبوع، ما دفع أسهمها لتحريك أسواق الأسهم نحو مستويات قياسية جديدة.
وبدوره، يبقى الدولار الأمريكي العُملة الأقل تفضيلاً هذا الشهر متراجعاً إلى أدنى مستوياته على مدى تسعة أسابيع في وقت سابق من اليوم. وبات من الواضح أن تجارة الإنعاش الاقتصادي تمضي قُدماً مدفوعة بالسياسة النقدية المتساهلة للغاية، علماً أن العجز في الميزانية في طريقه للارتفاع بلا شك، لا سيما في ضوء خطة الإنفاق بقيمة 1.8 مليار دولار أمريكي التي أعلنها الرئيس بايدن. ومع ذلك، تبقى الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الاقتصاد الأفضل أداء بين نظيراتها من الدول المتقدمة، الأمر الذي سينعكس في تقرير الناتج المحلي الإجمالي المقرر صدوره اليوم. وما زلنا بحاجة لرؤية اتساع الفوارق بين أسعار الفائدة في حال أردنا للدولار الأمريكي استعادة قوته، ولا يبدو بأنّ هذا ما يحدث في الأسواق في الوقت الراهن.
تنويه: يحتوي هذا المقال على آراء خاصة بالكاتب، ولا ينبغي استخدامها كمشورة أو نصيحة للإستثمار، ولا يعتبر دافعاً للقيام بأي معاملات بأدوات مالية، وليس ضماناً أو توقعاً للحصول على أي نتائج في المستقبل. لا تضمن ForexTime (FXTM)، أو شركاءها المتعاونين، أو وكلاءها، أو مديريها، أو موظفيها أي صحة، أو دقة، أو حسن توقع أي معلومات أو بيانات واردة في هذا المقال، ولا يتحملون مسؤولية الخسائر الناتجة عن أي استثمار تم على أساسها.